الأحد، 21 يوليو 2013

كفاية!








"هناك ما هو أكثر في الحياة من مجرد زيادة سرعتها." -غاندي.


سأبدأ هنا بذكر موقف قصير حصل قبل أيام, وليس الهدف منه تحريك العواطف أو ما أشبه لأن التوعية بالطرق العاطفية لا تفيد بشئ سوى "التأثير اللحظي" ولكنني أضعه كبداية لأنه ألهمني التكوين الأساسي لهذه التدوينة في الأمور التي -في اعتقادي- يجب الإلتفات لها.



ذهب أحد الأقارب في السيارة لأداء بعض المهمات وفي طريق العودة فاجئته إحدى السيارات لتصطدم به, بلطف الله كان اصطداماً يمكن احتماله والضرر لم يكن بليغاً, ترجل القائد ليقدم اعتذاره إليه, وإذا به شاب صغير أغلب الظن أنه "لم يبلغ العشرين", وبعد القليل من عبارات الإعتذار منه ومن والده -الذي تم الاتصال به- قرر الآخر أن يصفح عنه! *انتهى*

قد تبدو القصة قصيرة جداً وعادية بدرجة كبيرة جداَ وربما كانت من الأحداث المتكررة, وهي كذلك بالفعل! إلا أنها توحي إلى العديد من "إشارات الخطر" التي يتم تجاهلها باستمرار مما أدى -حسب ظني- إلى ما نحن عليه.

عندما نُقل إلي الخبر كان أول رد فعل لي هو "لماذا العفو!" قد تعتبرون بأنني قاسية بهذا الرد أو ربما غير مراعية لظروف الآخرين أو مهما يكن, لكن إذا نظرنا إلى الواقع فإن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى التهاون في حق الطريق هي غض الطرف وتهاون الفرد في المطالبة بحقه؛ والعفو هو الجزء الأول من هذا التهاون لأنه يُعَود الشخص على عدم الاهتمام وأنه لن يلحقه أي ضرر -مادي أو جزائي- في حال قام بتكرار فعلته ومن أمن العقوبة أساء الأدب! في حين لو أن كل من يتعرض لمثل هكذا مواقف يُبدي للمُخطئ رغبته في الحصول على حقه فإن ذلك سوف يجعله أكثر مراعاةً وحرصاً في المرات القادمة.

*وكتوضيح أنا لا أقصد عدم العفو مطلقاً وإنما يكون ذلك حسب تقديرات المواقف وبما يضمن عدم إسقاط الحق أو إهماله.

المسألة الأخرى وهي مسألة العمر والتي تضم نقاط وأهمها:
1- في المسؤولية: إذا نظرنا إلى الشاب هنا الذي "لم يبلغ العشرين" وتسائلنا لماذا هو المسؤول عن قيادة السيارة؟ فإن ذلك يقودنا إلى أمرين هما:
إما أن أهله مُترفين بالدرجة الكبيرة بحيث أنهم أهدوه سيارة في سن مبكرة ليلهو ويتفاخر بها, أو أن أهله لا يجدون شخصاً غيره يعتمدون عليه في آداء أعمالهم.

2- في الوفيات: يغلب على هذه الفئة العمرية "المراهقين" التهور والتسرع -طبعاً ذلك لا يعني التعميم على الجميع فالأمر يعود أولاً وأخيراً على مدى الوعي والذي ينقصنا جميعاً كباراً وصغاراً- هذا التسرع وعدم الفهم الصحيح للحياة أظنه السبب الرئيسي في أن 75% من الوفيات بسبب الحوادث هم من هذه الفئة!

3- في عدم فهم الحياة: بعض هؤلاء الشباب لا يعي ما هي قيمته الحقيقة ولا يستطيع أن يحدد ما هي أهدافه في هذه الحياة لأنه ببساطة لا يفهمها ولا يُقَدر نفسه ولذلك تجدهم غالباً غير مُباليين مُتسرعين ولا يهتمون لأحد, وقد تساعد الضغوط النفسية والمشكلات الأسرية أيضاً في زيادة هذا التكوين الخطير من عدم الفهم.

4- في السرعة: قد تكون السرعة أحياناً نتاج لعدم فهم الشاب لقيمته وأهميته وفي أحيان أخرى يراها الشاب جزء من تكوينه وهويته وأنها الموهبة الأمثل بالنسبة له وقد لا يستطيع الإستغناء عنها, أو قد يعتبرها البعض عادة مجتمعية لكثرة من يؤدونها من الأصدقاء من حوله. أما البالغين فتكون السرعة لديهم نتيجة التوتر والقلق وضغوطات العمل وما شابه.



بعد هذا التحليل البسيط للموقف السابق نستطيع أن نقدم بعض الحلول التي قد تتناسب معه:
1- كما ذكرت مطالبة الشخص بحقه حتى يفهم المخطئ أنه يوجد قانون وضوابط فيكون بذلك أكثر حرصاً على حق الطريق ومن فيه ولا يعود إلى تكرار أخطائه.

2- في النقطتين الأولى والثانية التي تحدثت فيها عن العمر قد تكون الإشارات فيها توحي إلى عدم التأييد بالقيادة لمن هم في هذه الفئة من العمر ولكنني تعمدت إيراد ذلك للتوصل إلى ذكر هذا الحل الذي قرأت عنه قبل فترة وهو عبارة عن مقترح لوزارة الداخلية بدبي بخفض سن الحصول على رخصة القيادة إلى 17 عاماً, وهنا اقتباس من أحد المقالات:
"أكد المدير التنفيذي لمؤسسة الترخيص في هيئة الطرق والمواصلات بدبي ، أحمد بهروزيان، أن خفض سن الحصول على رخصة قيادة إلى 17 عاماً مقترح مفيد في بعض جوانبه، بشرط أن يتم إقراره ووضع قيود تضمن تقليص أي نتائج سلبية، قد تترتب على السماح لهذه الفئة العمرية بقيادة المركبات. وأشار إلى قناعة مؤسسة الترخيص بضرورة وجود عدد من القيود، التي تحقق نوعاً من الرقابة ـ لمدة ثلاث سنوات ـ على السائقين المبتدئين، خصوصاً هذه الفئة العمرية. وأضاف أنه يجب في المرحلة الحالية فرض نوعين من القيود على الأقل، الأول وضع ملصق على سيارة المبتدئ من الفئة العمرية الصغيرة، تشير إلى أنه حديث العهد في القيادة، الأمر الذي يساعد على مراعاة السائقين الآخرين لوضعه ويحملهم مسؤولية التعاون معه، نظرا لأنه لايزال في الأطوار الأولى من اكتسابه الخبرة العملية في القيادة، والقيد الآخر لا يسمح للسائقين ـ من هذه الفئة العمرية ـ بقيادة السيارة على الطريق السريع، على الأقل في السنة الأولى، لاسيما أن الأرقام تشير إلى خطورة وارتفاع عدد الحوادث على الطرق السريعة، التي يرتكبـها السائقون المبتدئون. وأكد بهروزيان أهمية السماح لمن هم في سن الـ17، بالحصول على رخصة قيادة، حتى يتمكنوا من التدرب والتعود على القيادة قبل دخولهم الجامعة، التي تضطرهم إلى قيادة سيارة للتنقل بين الجامعة والمنزل. وأشار إلى أن حصول الشباب على الرخصة في سن الـ18، يلغي إمكانية إتاحة الوقت الكافي للتعلم، والاستعداد لقيادة المركبة قبل انتقالهم إلى المرحلة الجامعية."

3- بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من عدم الوصول لهوياتهم والفهم الخاطئ للحياة فإن التعامل معهم يكون عن طريق الدورات التوعوية والتنمية البشرية, فعندما نوصل للإنسان قيمته وهدفه في الحياة فإنه يكون أكثر تمسكاً بها وأكثر فاعلية واهتماماً, وتقديره الذاتي وحرصه على الحياة سيجعله يبتعد تدريجياً عن كل العادات السلوكية الخاطئة ومن ضمنها السرعة.
*إن كان لديهم مشاكل مع الأسرة فيجب أن تُشمل الأسرة في هذه الدورات.

4- الشاب الذي ينظر إلى السرعة على أنها موهبة فمن الأولى أن توفر له السُبل لرعاية هذه الموهبة لأنه في الواقع لن يتمكن من الإبتعاد عنها مهما حاول لأنها قد تكون الشئ الوحيد الذي يُعَرفه, ومن أهم السبل هي تخصيص حلبة سباق بحيث يُمارس فيها هوايته بعيداً عن إلحاق الضرر بالآخرين.

5- أما من ينظرون إليها على أنها عادة فهم بالطبع قد اكتسبوها من محيط الأصدقاء أو المجتمع وبتكرارها فقد أصبحت بالفعل عادة لديهم وحتى يستطيعوا التخلص منها عليهم استبدالها بعادة أخرى جديدة والفترة بين استبدال واكتساب عادة غالباً لا تقل عن 41 يوم وبعض العلماء قدرها ب60 يوم, ويكون ذلك بالإنتقال التدريجي وليس الإنتقال دفعة واحدة.

الحلول كثيرة ولا يمكن حصرها هنا ولكنني اكتفيت بذكر هذه المجموعة البسيطة بحسب الموقف الذي ذكرته في المقدمة.



أخيراً: كحملة توعوية من الأفضل التركيز على هذا الجانب وهو "التوعية" ومخاطبة العقل لأن ذلك يعطي الأثر العميق, في حين أن مخاطبة العواطف بنشر مقاطع لحوادث حصلت هنا وهناك فإنها لا تفيد بأي شئ سوى الأثر اللحظي كما أنها -في نظري- تزيد الأمر سوءاً لأنها تشحن الأذهان بكمية كبيرة من الطاقة السلبية وتجعل تركيزهم الأكبر هو على هذه الحوادث مما قد يؤدي إلى كثرتها "قانون الجذب" ويبتعد تركيزهم عن الهدف الأساسي من الحملة وهو الوصول إلى الحلول الصحيحة والسليمة التي يسهل تطبيقها, لذا أرجو أن يبتعد الجميع عن نقل مثل هذه المقاطع أو تصويرها وليجعلوا تركيزهم في الهدف الإيجابي والأسمى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق