الاثنين، 2 مارس 2015

تطوع







"أنا مع الحقيقة مهما كان من يقولها، وأنا مع العدل مهما كان من معه أو من ضده." - مالكوم إكس


في الأيام القليلة الأخيرة شهدت منطقة جازان الكثير من الأحداث الفارقة في مستقبلها بدايةً بإطلاق المنتدى الاقتصادي الأول وانتهاءاً بفعاليات إثراء الشباب الممتعة والمتفردة. وقد كان الشريك الأساسي لنجاح هذه الفعاليات هم شباب وشابات المنطقة المتمثلين في المتطوعين والمتطوعات, الذين خدموا المنطقة بكل ما وسعته أوقاتهم.

ولكي نفهم الدور الذي قاموا به علينا أولاً أن نتعرف على مفهوم التطوع من منظور عالمي.

أبسط تعريف للتطوع هو "تقديم ما تستطيعه Giving what you can" وبشكل أعمق فإن العمل التطوعي -كما عرّفته إحدى الجمعيات التطوعية في مدينة بريستول- هو "منح وقتك لقضية مهمة, لا تحصل من خلاله على مُرَتب ولكنك تحصل على فرصة لاستخدام مواهبك وتطوير مهارات جديدة واختبار المتعة التي تأتي من إحداث فرق حقيقي في حياة الآخرين أو حتى حياتك".


وبالتالي فإننا إذا نظرنا إلى المنتدى الاقتصادي فيمكننا القول بأنه قضية مهمة لاقتصاد المنطقة بشكل خاص وللمملكة بشكل عام, والمساعدة على إنجازه بأفضل صورة وخدمة رواده هو ما يدور حوله مفهوم التطوع. إن التجربة التي خاضها متطوعي ومتطوعات جازان كانت تجربة فريدة من نوعها كونها مُنَظمة من قبل واحدة من أكبر وأنجح الشركات في المملكة وهي أرامكو والتي تعتبر بيئة عمل تنظيمية إبداعية تحرص على أدق التفاصيل سواءً كعمل مؤسسي أو عمل تطوعي. هذه التجربة أكسبت الشباب والشابات العديد من الخبرات على مستوى التنظيم للفعاليات وإدارة العلاقات العامة والتعامل مع الجمهور وإدارة المحتوى الإعلامي وما إلى ذلك من الخبرات العملية التي قد لا تتوفر في كثير من بيئات العمل في المنطقة.

المنتدى خرج بالكثير من النتائج والخطط المستقبلية المشرقة والتي تداولتها جميع أنواع الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ولكن الشئ الوحيد الذي تداوله "البعض" من أهالي المنطقة لم يكن حجم الجمال الذي وعدت به جازان وإنما حجم السوء الذي "عشعش" ونخر في عقولهم والذي أصبح كشريعة مقدسة لديهم, فلم يقدموا إلا سوء الظن الذي لا يعبر إلا عن نظرتهم السيئة ولم ينشغلوا إلا بتفسير النيات والبحث عن الزلات فيما يتعلق بالمتطوعات وعملهن في المنتدى.

مجتمعنا يثبت في كل مرة بأنه عدو للمرأة لدرجة أن المرأة أصبحت معادية لذاتها بتأييد ما يُقال عنها! وأثبت أيضاً بأن له نظرة قاصرة جداً عن التطوع وخاصةً فيما يتعلق بتطوع المرأة والذي تم وصفه بأنه "رفاهية" يمكن الاستغناء عنها. التطوع ليس رفاهية بل هو أسلوب حياة, هو العطاء الذي يمكن أن يقوم به أي شخص في أي مكان ولأي شئ وبأي أداة, التطوع يمكن أن يكون حتى بالكلمة كمثل المبادرات التطوعية لإثراء المحتوى التي تتركز على "ترجمة الكلمات".

علينا أن نوسّع نظرتنا وأنظارنا للعمل التطوعي حتى لا نكون جوقةً من العميان. علينا أن نفهم الحياة بكل أبعادها ونعرف أن ما بأيدينا ليس حِكر لجنس دون آخر. علينا أن نتأمل ونستخلص ونعرف الفوائد التي يمكن أن تنتجها مثل هذه الفعاليات حتى لا نكون مجتمعاً جاهلاً. علينا أن نفهم الدين بصورته الصحيحة ونطبقه بشكل صحيح بحيث لا نشكك في نوايا الآخرين ولا نفسر أهدافهم وتصرفاتهم تبعاً لأهوائنا وعواطفنا وألا نتداول ونُعمم مالا حقيقة له بظاهره أو باطنه حتى لا نكون من الفاسقين.

وأخيراً مهما يكن ما ومن شهدته فلا يمكنك القول عنه بأنه صحيح كلية أو خاطئ كلية لأن مهمتك هي أن تُحكّم ما بداخلك وتعمل على إصلاحه وليس أن تُحكم ما بداخل الآخر بظاهرٍ منك. الصواب والخطأ أمور نسبية وكذلك الخير والشر لذلك لم يُعطى الخير بالكلية للرجال مثلاً حتى يكونوا وحدهم المسؤولين عن عمارة الأرض ولم يُعطى الشر بالكلية للنساء ليتم نفيهن ووأدهن في قبور منازلهن.

نحن البشر عموماً نتكون من مزيج من المُتضادات, مزيج من الخير والشر, من النور والظلام, من الفضيلة والرذيلة, من الملاك والشيطان. وبرأيي أنك عندما تعبر عن استيائك من أحد المتضادات فإنك لا تعبر إلا عن استيائك من نفسك, وعندما تعبر عن استحسانك فإنك لا تعبر إلا عن استحسانك لنفسك. فاتجه لإصلاح نفسك قبل أن تُصلح العالم ولا تعتقد بأن هذه الأرض ملك لك أو لغيرك, المالك الله وهو من استخلفنا جميعاً من أجل تعميرها. وأنا كإمرأة لي دوري كما أنت كرجل لك دورك وكلاً منا يكمّل دور الآخر ولا يستنقصه ولا يعيبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق