الأحد، 9 فبراير 2014

خريطة!






"الناس يمنحون بعض المظاهر الثقافية الشكلية قيمة جوهرية ليست لها، فيظنون أن التغير في الملبس والمأكل والذوق الفني هو من الأشياء الخطيرة" -عبدالله الغذامي.



تخيل أنك في جزيرة تزورها لأول مرة في حياتك ولا تعرف عنها شيئاً سوى الخريطة التي تحملها بيدك. هذه الخريطة التي لديك تشير إلى كنز موجود في الجزيرة وأنت في الواقع قد جئت من أجله. حتى تستطيع الوصول إلى هذا الكنز ليس أمامك سوى خيارين إما أن تعتمد كلياً على شكلك وأناقتك التي في اعتقادك أنها سوف تُسعفك وتجعلك تقيم علاقات مع سكان الجزيرة لكي يرشدوك في النهاية إلى المكان الذي تريده أو أنك تبدأ بتحليل الخريطة وفهم جميع الطرق الموضحة عليها ثم بعد ذلك تختار الطريق الأفضل بينها جميعاً وتبدأ في سلوكه لتصل إلى مرادك. إذا كنت ستختار الخيار الأول فإنك وقتها سوف تدخل إلى متاهات كبيرة وقد تتعرض للنصب والاحتيال وهناك احتمالية كبيرة بأنك ستسلك العديد من الطرق الخاطئة في سبيل الوصول وربما قد لا تصل إليه!

القصة التي ذكرتها ليست إلا صورة تمثيلية للوسط الذي نحن فيه, أقصد الوسط الثقافي. الجزيرة تعبر عن هذا الوسط, الشخص الذي عليها هو المثقف, الخريطة تُمثل الثقافة, والطريق يُمثل الإدراك والكنز هو الوعي.
يقول راغب السرجاني: "أنت تقرأ لكي تستوعب كل كلمة تقرؤها، تقرأ كي تفيد وتستفيد، فالقراءة عملٌ عظيم، وليس لك من هذا العمل إلا ما عقلته". إذا كان الواحد منا يقرأ فقط لمجرد القراءة والحصول على مخزون أكبر من المعرفة فإنه إنما  يكون كمن يصنع قطاراً بمجموعة من العربات وينسى الماكينة الأساسية التي تجره وهو ما وصفه الدكتور مصطفى محمود بقوله: "قطار التطور لا يهم فيه عدد العربات التي يجرها إنما المهم هي الماكينه التي تجر, و هي ماكينة من سلندر واحد وهو (الوعي). إن الكثرة بدون وعي و بدون مادة (كثرة عاجزة)".

ولكن ما هو الوعي؟
الجميع تحدث عن الموضوع بإسهاب وبصورة عميقة دون الوصول إلى تعريف محدد وواضح للوعي, لذا سوف أقوم هنا بشرحه من منظوري البسيط الخاص بي وبإمكانكم البحث والتعمق أكثر إن رغبتم ذلك.
الوعي هو الحالة العقلية التي يصل إليها الإنسان بعد إدراكه (تطبيق + تكرار)  للمعرفة التي يملكها, تماماً كما في القصة.
ولنضع أمامنا هذه المعادلة البسيطة حتى يتضح المعنى بشكل أفضل:
معرفة + إدراك = وعي

من الطبيعي في أي معادلة أنه إذا اختلت المُدخلات التي لدينا فإننا لن نستطيع الحصول على المُخرجات المتوقعة, فإذا اختفت حالة المعرفة أو حالة الإدراك من المعادلة فلن تنتج لدينا حالة الوعي.

لماذا الحديث عن الوعي؟
يقول ديباك شوبرا: "الوعي هو الفيل الأبيض في الغرفة, تحتاج إلى الوعي لتأتي بنظرية, تحتاج إلى الوعي لتُصمم تجربة, تحتاج للوعي لتصنع مراقبة, العلم هو نسل الوعي, إنه نتاج الوعي".

الفئات الغالبة في المجتمع هي الفئات المُثقفة والمتعلمة في حين أن الفئة الواعية فئة قليلة جداً ولكنها هي التي تُحدث الفرق وهي التي تستطيع أن تصنع حضارة وتنهض بالأمة لأنها الفئة التي تفعل ما تقوله وليست التي تقول ما لا تفعله وهنا يكمن السر!

هناك 4 تعليقات:

  1. جميل المقال في اطروحاته ..

    ردحذف
  2. أجمل مقال في المدونة
    في الصميم

    ردحذف
    الردود
    1. كنت متلهفة لأعرف أي مقال أعجبك أكثر .. سعيدة جداً بوجودك :)

      حذف